الندوة النقاشية الخاصة بالإعاقة الذهنية
الندوة النقاشية الخاصة بالإعاقة الذهنية
عقدت الجمعية الوطنية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان، ندوتها النقاشية الرابعة الخاصة بالإعاقة الذهنية، وذلك بعد ظهر الخميس الواقع فيه 29 تشرين الثاني 2018، وفي إطار الندوات النقاشية المتعلقة بالمساعدة في إعادة تصنيف الإعاقات المقتصرة على أربع هي الحركية والذهنية والبصرية والسمعية. وكان لافتا في الندوة حضور عدد محدود من الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، وتدخل اثنين على الأقل منهم في النقاش تكرارا، ومساهماتهما المحدودة على الرغم من كونها غنية، نتيجة تأكيدها على تنوع التجارب الفردية وثرائها، بفعل قوة إرادة كل من أصحابها وتحملهم وصمودهم وعنادهم. كما تبين من مداخلات هذين الشخصين من ذوي الإعاقات الذهنية الخفيفة التأثير الإيجابي الحاسم لدعم الأهل، وأمكن بالتالي الاستنتاج بأن دعم الدولة والمجتمع العامل على إزالة العوائق والعقبات التي تحول دون اندماج الأشخاص ذوي الإعاقة ومشاركتهم الكاملة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين يكتسب أهمية أكبر ويؤدي دورا أوسع وأشمل على هذا الصعيد. والشخصان المعنيان هما ممن القلائل بين أفراد هذه الفئة ممن نجحوا في تأمين عمل يدر عليهم دخلا، إذ إن أحدهما موظف في شركة لإنتاج المستحضرات الصحية، الآخر يمتهن العمل الحر في مجال الفنون من رسم.
في بداية حديثه الافتتاحي وشرحه للتجربة اليونانية مع التصنيف وإعادة التصنيف، هنأ رئيس الجمعية الحضور بإدراج الإعاقات النفسية الاجتماعية ضمن الإعاقات المعترف بها في إطار التصنيف المعتمد في لبنان منذ العام 1994. ثم شدد على الهدف الأساسي للندوات النقاشية، وهو مزدوج: معرفة حقيقة ما يريده أو يتوقعه الأشخاص ذوو الإعاقة من التصنيف ومآخذهم على النظام الحالي، ثم الخروج بتصور لتصنيف جديد مقترح بعد انتهاء الجمعية من برنامجها المدعوم من قبل المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، والذي تتشارك في دعمه وتنفيذه جهات عدة صديقة وشريكة. كما أكد على أهمية التصنيف في تحديد درجة الإعاقة وشدتها، ولا سيما في ظل النظام الذي يربط بين التصنيف والخدمات المتاخمة أو المعينات التي قد يفيد منها الأشخاص ذوو الإعاقة الذهنية، وبخاصة إذا كانوا يعانون الإعاقة الحركية أيضا. ولم يتردد في طرح مجموعة من التساؤلات عن الطريقة المعتمدة في فحص الأشخاص ذوي الإعاقة وتحديد مدى إعاقتهم وتصنيفهم من أجل منحهم بطاقات المعوق الشخصية، مع التنبيه إلى أن تسمية البطاقة بهذه الطريقة توحي بأنها هوية للشخص ذي الإعاقة. وهذا وضع غير مقبول من نواحٍ عدة ولأسباب مختلفة. كذلك تساءل بصراحة عن تطلع المعنيين من ذوي الإعاقة الذهنية وأولياء أمورهم والمؤسسات الراعية لهم لجهة التقديمات والخدمات المفترض أن يتم توفيرها لهذه المجموعة من الأشخاص. ولم يفت الدكتور كبارة أن يشير غير مرة، وباهتمام، إلى أهمية معرفة ما إذا كانت الخدمات والمعينات المقدمة حاليا تفي فعلا بجزء معقول من احتياجات هؤلاء الأشخاص. كذلك لم يتردد – وبناء على محتوى اعتراضه السريع والمكثف لتجربة اليونان مع التصنيف وإعادة التصنيف – في إثارة عدد غير قليل من الاستفسارات عن طبيعة الفحوص والاختبارات وحقيقة الطرق والإجراءات العملية المتبعة في سبيل تصنيف الإعاقة الذهنية وتحديد درجة شدتها. تجدر الإشارة إلى أن بعض هذه التساؤلات يتسم بطبيعته الخطابية، بينما يتميز بعضها الآخر في جوهره بالنزعة الواقعية العملية. عند هذا الحد نقل كبارة الحديث إلى الباحث الآخر، أي نائب عميد كلية الصحة العامة والعلاج الفيزيائي في جامعة بيروت العربية، الدكتور رامي عباس.
أكد الدكتور عباس بدوره على الأهمية القصوى للتقرير الطبي في عملية تصنيف الإعاقة الذهنية في الولايات المتحدة، حيث تمس الحاجة أيضا – وبالمقدار نفسه من الإلحاح -- إلى العديد من التقارير التي تركز على النواحي النفسية والعصبية والمهارات الذهنية والسلوكية المعدة من قبل الخبراء النفسانيين وغيرهم من المهنيين المتخصصين في شؤون الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية. لكنه أشار إلى الصعوبات الشديدة التي تقيد حرية الأشخاص ذوي الإعاقة وتفرض نوعا من هوية خاصة بهم، وتوجد عقبات وعوائق متنوعة قد تحول دون اندماجهم بصورة كاملة في المجتمع، وعلى قدم المساواة مع الآخرين. كذلك تطرق الباحث إلى نظام تعويض الإعاقة أو المعونة المالية المدفوعة للأشخاص ذوي الإعاقة بغية تمكينهم من الحصول على ما يكفيهم لعيش حياة كريمة في حال كانوا عاطلين عن العمل، أو بلوغ مستوى معين من الدخل في حال كان أجر عملهم لا يكفي لتوفير الحد الأدنى من مستوى المعيشة اللائق. اكتفى الدكتور عباس بهذا القدر من الحديث، بعد أن تناول أهم المفاهيم والتعاريف التي يعتمدها قانون الإعاقة الأميركي؛ وقد أفسح في المجال أمام نقاش مستفيض شارك فيه المنتدون، بمن في ذلك الشخصان من ذوي الإعاقة الذهنية.
تركز النقاش على بحث الفحوص والإجراءات العملية المعتمدة في عملية التصنيف بغية إصدار بطاقة المعوق الشخصية من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية. وقد توصل المنتدون إلى نوع من توصية تدعو إلى تحديد منظومة الفحوص والاختبارات والإجراءات المعتمدة في عملية التصنيف وتطويرها لتتلاءم مع واقع الحياة في لبنان، مع اقتراح توسيع نطاق الإعاقات المصنفة والمعترف بها قانونا. ولم يغب عن بال المنتدين التطرق إلى صعوبات تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، علما أن الشخصين المشاركين، من أفراد هذه الفئة من الناجحين في إيجاد فرص عمل لهم واستغلالها بالشكل الصحيح المناسب لقدراتهم ومواهبهم الخاصة، أكدا على أن في وسع أفراد كثيرين من هذه الفئة كسب معيشتهم ورزقهم بعرق جبينهم. فأحد هذين المشاركين مستخدم في إحدى الشركات. أما الأخرى، فتمتهن الرسم وهي تقيم المعارض بقصد بيع لوحاتها والتسويق لإنتاجها الفني. غير أن المنتدين ركزوا بصورة خاصة ومميزة على ضرورة تسهيل عملية التطويع للوظائف التي يمكن للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية القيام بها، مما يعني إتاحة مجال أوسع أمام فرص تشغيلهم. وقد دعا الشاب ذي الإعاقة الذهنية إلى النظر بتفهم إلى قدرات هذه الشريحة من فئات الأشخاص ذوي الإعاقة، مؤكدا على نجاحه في القيام بكل ما تتطلبه منه وظيفته داخل الشركة. كما اتفق الجميع على وجوب إنصاف هؤلاء الأفراد لجهة حصولهم على أجور ورواتب مساوية لتلك التي يتقاضاها الآخرون من العاملين – ولا سيما من غير ذوي الإعاقة -- معهم وفي المجالات نفسها. وتفاهم المنتدون أيضا على أهمية الموضوع الحساس وخطورته، وعلى وجوب انتظار نتائج الأبحاث والدراسات القليلة المحدودة في هذا المجال، ولا سيما تلك التي ترتبط بمشروع الجمعية الوطنية البحثي والمفترض بها أن تخرج باقتراح منظومة تصنيف جديدة ينبغي اعتمادها في لبنان بعد ربع قرن تقريبا على اعتماد الدولة والمجتمع للمنظومة الحالية.
تابعنا