الندوة النقاشية الخاصة بالإعاقة البصرية
الندوة النقاشية الخاصة بالإعاقة البصرية
عقدت الجمعية الوطنية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان، وفي إطار الندوات النقاشية المتخصصة المتعلقة بالمساعدة في إعادة تصنيف الإعاقات، ندوتها النقاشية الثالثة الخاصة بالإعاقة البصرية، صباح يوم الخميس الواقع فيه 29 تشرين الثاني 2018. استهل رئيس الجمعية، الدكتور نواف كبارة، الندوة بكلمة ركز فيها على أهداف البرنامج الذي تنفذه الجمعية بالتعاون مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وبدعمها وبالشراكة مع عدد من الجهات الأخرى. وفي هذا السياق، أكد الرغبة على التوصل إلى مشروع تصنيف جديد مقترح، ثم طرح مجموعة تساؤلات تحمل الجميع على التفكير في ضرورة إعادة النظر في التصنيفات المعتمدة. ولما كانت كلمته الافتتاحية هي المداخلة الأولى في الندوة، فقد أوضح أنه معني بالتجربة الأوروبية للتصنيف وإعادة التصنيف، مستعرضا تاريخ عمليات التصنيف منذ انطلاقها على يد عالم الرياضيات الفرنسي الدكتور باريما في القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا، أي على مدى زمني يقرب من مئتي عام. وقد لفت إلى أن الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية هم المستفيدون بالدرجة الأولى من المعينات التي تقدمها وزارة الشؤون الاجتماعية من خلال برنامج تأمين حقوق المعوقين. كما ذكر أنه نتيجة تعدد تجارب التصنيف في القارة الأوروبية، ارتأى حصر اهتمامه بالتجربة اليونانية، نظرا إلى الشبه الكبير بين حجم الدين العام لكل من اليونان ولبنان، اللذين يتعرضان لتباطؤ حاد في النمو الاقتصادي. وإذا كانت تجربة لبنان مع التصنيف تعود إلى العام 1994، ولم تعرف تعديلا أو تغييرا في النموذج المعتمد، فإن تجربة اليونان مع التصنيف تعود فقط إلى ثمانينات القرن الماضي، ولكن سلطات أثينا التي أظهرت سخاء كبيرا في تقديماتها للأشخاص ذوي الإعاقة عند انطلاق برامج الدعم، اضطرت إلى تقليص موازنة الإعانات الحكومية في التسعينات مع انتخاب اليمين وتوليه الحكم. في بداية الأمر، اعتاد اليونانيون تصنيف الإعاقة من 0 إلى 50% باعتبارها خفيفة، ومن 50% إلى 67% باعتبارها متوسطة، ومن 67% إلى 100% على أنها شديدة. نتيجة إعادة النظر في التصنيف وتعديله، أصبحت الإعاقة الخفيفة تراوح نسبتها من 50% إلى 66%، والمتوسطة من 67% إلى 79%، والشديدة من 80% إلى 100%. كما قررت السلطات عدم منح أي تسهيلات وتقديمات للأشخاص ذوي الإعاقة الخفيفة. وقد استعرض إيجابيات هذا التصنيف وسلبياته، قبل أن يطرح مجموعة تساؤلات تتعلق بما إذا كان الأشخاص اللبنانيون ذوو الإعاقة البصرية يرغبون في اعتماد هذا النوع من التصنيف المعتمد في اليونان، وعن مدى رضاهم عمليا عن حقيقة التقديمات التي قد يشعر ذوو الإعاقة البصرية بأنهم بحاجة فعلية لها، وينبغي لبرنامج تأمين الحقوق في وزارة الشؤون الاجتماعية توفيرها من خلال الخدمات المتاخمة. كما تساءل عما إذا كان محقا ومناسبا تقديم الخدمات نفسها للمكفوفين كليا ولأشخاص يشكون من ضعف طفيف في قدرتهم على الإبصار، علما أن مجموعة ضعاف البصر هم الذين اتفق المنتدون على أنهم بحاجة عمليا إلى خدمات كثيرة أشد تنوعا وأكثر عددا من تلك التي يتطلبها المكفوفون كليا.
قبل دخول المشاركين في نقاش مع المتحدثين من جهة، وفيما بينهم من جهة ثانية، نقل الدكتور كبارة الحديث إلى الباحث الآخر الدكتور رامي عباس، وهو نائب عميد كلية العلاج الفيزيائي والصحة العامة في جامعة بيروت العربية. فعرض الدكتور عباس واقع تصنيف الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية في الولايات المتحدة، حيث يعتمد القانون الإعاقة ونظام التصنيف كف البصر الكلي وكف البصر الجزئي مع التدرج من الإعاقة الشديدة إلى الخفيفة مرورا بالمتوسطة. ولما كان الأشخاص ذوو الإعاقة البصرية المتوسطة والشديدة يحصلون على تعويض إعاقة تبلغ قيمته في المتوسط 1200 إلى 1300 دولار، مع الإشارة إلى أن قيمة تعويض الإعاقة تراوح بين الولايات والحالات من 700 دولار في الحد الأدنى إلى 1700 دولار ويزيد في الحد الأقصى. كذلك أوضح أن تحديد قيمة تعويض الإعاقة يتوقف تقديمه للشخص الذي يعمل ويحصل على مستوى معين من الدخل. ونبه إلى تعريف القانون الأميركي للإعاقة بأنها "العجز" عن القيام بوظائف عديدة. ولفت في الوقت نفسه إلى تشابه ملحوظ بين أسس وخطوات التقويم الأميركي لمستوى العجز وأسلوب التصنيف الدولي للوظائف، الذي طورته منظمة الصحة العالمية. ولم يفت عباس التنبيه إلى أن عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في الولايات المتحدة بلغ 10,3 ملايين مع نهاية العام 2015، لكنه لم يلفت إلى نسبته المئوية من مجموع سكان أغنى بلدان العالم، المفترض أنه كان يلامس حوالى 300 مليون مع بداية العام 2016.
اكتفى الدكتور عباس بهذا القدر من عرض واقع تصنيف الإعاقات، ولا سيما الإعاقة البصرية، في الولايات المتحدة، لينقل الحديث إلى مسؤولة شؤون الإعاقة في دائرة السياسات الاجتماعية في اللجنة الاجتماعية الاقتصادية لغرب آسيا، السيدة أنجلا زتلر ممثلة رئيسة الدائرة جيزيلا نوك. تمحورت مداخلت زتلر القصيرة حول التفكير في المراد من إعادة التصنيف ونتائج العملية، مع التنبه إلى واقع التصنيف الحالي المعتمد في لبنان. كما لفتت إلى أهمية معرفة ما الذي تنطوي عليه سياسات الإعاقة والمطلوب أن تعكسه عملية إعادة التصنيف على سياسة الإعاقة. وشددت على وجوب الإفادة راهنا مما هو متاح بموجب أحكام القانون الذي يحدد التصنيف.
بدأ النقاش فور انتهاء السيدة زتلر من كلمتها، وذلك بطرح مجموعة أسئلة استيضاحية متفرقة غير مترابطة من قبل بعض المنتدين، الذين يبدو أنهم لم يرغبوا في إثارة عاصفة من النقاش الحاد غير الهادف. إلا أن الدكتور كبارة حاول سريعا تيسير النقاش وتوجيهه نحو التفاهم على التصنيف الذي يفضل المشاركون اعتماده للإعاقة البصرية. سجل فورا نوع من تفاهم مبدئي اعتبر أن كف البصر الكلي هو بحد ذاته نوع خاص متميز يطال فئة من الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، وأن الأشخاص ضعيفي البصر يشكلون قسما آخرا من هذه الفئة، علما أن لا بد من تلبية احتياجات ضعيفي البصر بشكل فردي شبه تام وعلى نحو يومي. وقد حاول المنتدون التركيز في نقاشهم على تحديد المنافع والمكاسب المفترض أن يحصل عليها حملة بطاقة المعوق الشخصية من الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، مع التركيز في هذا المجال على الناحية التربوية والتعليمية أكثر منها على جوانب العمل والرعاية الصحية والعديد من جوانب الحياة الأخرى. واللافت للغاية اعتماد المنتدين رأيا لا يتطابق بالكامل مع يقول به ضمنا وصراحة القانون 220 الخاص بحقوق الأشخاص المعوقين في لبنان (المادة 59) واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الماد 7. وهذا ما جعل النقاش يتركز بصورة رئيسية حول الحق في التعليم، وتحديدا التعليم الجامع أو الدامج، دون أن يعني ذلك إلغاء حرية الاختيار بين الحق في التعليم المتخصص (الذي يسعى إلى الدمج ما بعد مراحله الأولية الابتدائية) والتعليم الدامج. في المقابل، لم يتطرق النقاش بصورة مفصلة وواسعة إلى تأثير التصنيف على الإعمال الفعال لباقي الحقوق، الأمر الذي كان يتطلب تخصيص المزيد من الوقت في الندوة المحصورة في ساعتين لا غير.
تابعنا