الندوة النقاشية الأولى للأشخاص ذوي الإعاقة الحركية
ضمن مشروع دعم وزارة الشؤون الاجتماعية في اقتراح تصنيف جديد للإعاقة في لبنان:
الندوة النقاشية الأولى للأشخاص ذوي الإعاقة الحركية
الندوة النقاشية الخاصة بالإعاقة الحركية
في إطار الندوات النقاشية المتعلقة بالمساعدة في إعادة تصنيف الإعاقات، عقدت الجمعية الوطنية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان الندوة النقاشية الأولى الخاصة بالإعاقة الحركية، يوم الخميس الواقع فيه 18 تشرين الأول 2018. استهل النقاش في الندوة رئيس الجمعية الدكتور نواف كبارة، شارحا أهمية التصنيف وإعادة التصنيف المعتمد في لبنان، والذي ارتكز عند اعتماده في العام 1994 على أحد أشكال التصنيفات الدولية، لافتا إلى أن التصنيف الحالي يعطي التقديمات نفسها إلى الشخص ذي الإعاقة الحركية متناهية البساطة والخفة (كون إحدى الساقين أقصر من الأخرى بسنتيمتر واحد على سبيل المثال) التي يمنحها للشخص ذي الإعاقة الحركية الشديدة، وهو العاجز عن الوقوف والسير، والمحتاج إلى كرسي متحرك بسبب إصابته الكبيرة في العمود الفقري. وهذه الإصابات متنوعة ونتائجها تترك إعاقات مختلفة الدرجة والشدة. هذا لا يمنع تصنيف الحالتين إعاقة حركية، لكنه يفترض اختلافا في الخدمات المقدمة والتسهيلات المتاحة، علما أن تأهيل البيئة هندسيا لتأمين سهولة ارتيادها واستكمال شروط إمكانية الوصول هو الطريقة التي تخفف من الهدر المسجل أو المحتمل تسجيله في مجال الأرصدة المطلوبة لما يسمى الخدمات المتاخمة في موازنة وزارة الشؤون الاجتماعية، التي غاب ممثلوها عن الندوة.
ولفت كبارة أيضا إلى ضرورة إعادة التصنيف في لبنان ليس فقط لأن هذا التصنيف معتمد منذ 24 عاما فحسب، وإنما أيضا لأن من الضروري توسيع أفق النظرة إلى واقع الإعاقة ومتطلبات الأشخاص ذوي الإعاقات المختلفة من جهة، وتحديد أفضل الطرق لإنفاق الأرصدة المخصصة للمساعدة في دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع من جهة ثانية. وهنا تحدث عن المشروع الذي تقوم به الجمعية مع شركائها ، فأعلن أن مساعد عميد كلية الصحة في جامعة بيروت العربية، الدكتور رامي عباس، يتولى دراسة ما يقدمه قانون الإعاقة المعتمد في الولايات المتحدة، بينما يقوم هو بدراسة المتاح في الاتحاد الأوروبي مع التركيز على التجربة اليونانية. وأن عملهما يتطلب عقد أربع ندوات نقاشية حول الإعاقات الأربع المصنفة في لبنان، على أن تعقب انتهاء دراستيهما ومقارنة القوانين الأميركية والأوروبية بما هو معتمد في لبنان على صعيد التصنيف أربع ندوات نقاشية أخرى تتناول مسألة إعادة التصنيف. وأرفق ذلك بتقديم لمحة تاريخية موجزة عن تطور عملية التصنيف التي انطلقت مع الدكتور باريما الفرنسي في القرن التاسع عشر، والتي عرفت بعض التطور والتغيير من التصنيف على أساس االمقدرة على القيام بالأنشطة في الحاية اليومية إلى التصنيف على أساس أداء الوظائف، مع التنبيه إلى أن التصنيف المعتمد في لبنان لا يستند تحديدا إلى التصنيف حسب الوظائف المقر في العام 1980 من قبل منظمة الصحة العالمية بقدر ما يستند إلى الأنشطة مع بعض الوظائف.
انتقل الدكتور كبارة بعد ذلك إلى شرح التجربة اليونانية بإيجاز. فأوضح أن اليونان اعتمدت تصنيفا للإعاقة يستند إلى تصنيف منظمة الصحة العالمية في العام 1980، وقد حدد درجة الإعاقة في ثلاث فئات: خفيفة حتى نسبة 33%، ومتوسطة من 33% إلى 67%، وشديدة من 67% إلى 100%. وقد وفرت أثينا بموجبه تقديمات سخية للإعاقات مختلفة الشدة والدرجات، الأمر الذي أثقل كاهل الموازنة المرصودة للبرامج الاجتماعية. إلا أن الحكومة اليونانية اليمينية المنتخبة في العام 1990 أعادت النظر في هذا التبويب، وجعلت الإعاقة الخفيفة تراوح نسبتها من 50% إلى 67%، والمتوسطة من 67% إلى 80%، والشديدة من 80% فصاعدا. لكنها لم تعدل التقديمات. بعد الأزمة المالية الدولية في العام 2008، واشتداد الضائقة الاقتصادية التي تتعرض لها اليونان، اضطرت سلطات أثينا إلى إعادة النظر في التقديمات. وهنا تطرق الدكتور كبارة إلى الربط بين تأهيل البيئة والتقديمات المتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة. فروى تجربة إحدى الجامعات في دولة عربية لم يذكرها بالاسم. كانت تلك الجامعة غير مؤهلة هندسيا، مما اضطرها إلى خفض قيمة رسومها وأقساطها التي تفرضها على طلابها ذوي الإعاقة. لكن، بعد تأهيل حرمها ومبانيها هندسيا لتأمين سهولة ارتيادها، لم تعد الجامعة تعتمد خفض الأقساط على الطلاب ذوي الإعاقة، الأمر الذي أزعجهم. وقد ألمح إلى ضرورة التفكير في حاجات الأشخاص ذوي الإعاقة وفي التقديمات وقدرات المجتمعات والدول على تأمينها عند التصنيف وإعادته. لم يسمح الوقت بالإفساح في المجال أمام النقاش، الذي أرجئ حتى نهاية عرض الوضع في الولايات المتحدة.
في الجلسة الثانية، كان المتحدث هو الدكتور رامي عباس، الذي أسهب في شرح نظرة المشرع الأميركي إلى الإعاقة، وما يشترطه القانون الأميركي للتصنيف ولتحديد التعويضات التي يقدمها للأشخاص ذوي الإعاقة وفق درجة الإعاقة، مع التنبيه إلى أن الأميركيين يحسبون مستوى الدخل مؤشرا لتقدير مدى تأثير الإعاقة على قدرة تحصيل الشخص لمستوى الدخل الضروري المطلوب. وقد بين أن قيمة التعويض تتفاوت من ولاية إلى أخرى، وهي في حدها الأدنى تساوي 700 دولار، وتصل في حدها الأقصى إلى 1700 دولار. إلا أن تحديد قيمة التعويض يستدعي الدخول في عملية تقويم واقع الإعاقة المؤلفة من خمس مراحل أو خطوات فصلها على نحو وافٍ. أوضح في أعقاب ذلك الشرح للخطوات أن ما بعد التقويم هو الجانب الذي يتقرر فيه وعلى ضوئه تصنيف مستوى أو درجة الإعاقة والتعويض، استنادا إلى التقرير الطبي ونتائج التقويمات والتحليلات المقدمة من المعالجين المختصين المختلفين (الفيزيائيين والانشغاليين ومعالجي النطق وغيرهم). وكان لافتا في عرض الدكتور عباس إشارته إلى اعتماد لفظة handicap للحديث عن الإعاقة في القانون الأميركي والأدبيات الأميركية الخاصة بالإعاقة، علما أن لفظة هانديكاب ليست مستعملة لهذا الوصف، وبخاصة عند تحديد مستوى الضرر أو التلف العضوي أو الوظيفي المسبب للإعاقة. واستنتج المشاركون في الندوة النقاشية – على ضوء العرض والأسئلة والأجوبة التي تبعته -- أن منطلق التصنيف في الولايات المتحدة طبي لأنه يستند إلى التقرير الطبي المفترض إعداده من قبل أطباء متخصصين ومشهود لهم تعتمدهم النقابة الأميركية للأطباء. كما أوضح أن الجمعية الأميركية للعلاج الفيزيائي معنية بجزء من خطوات التقويم الخمس.
عند فتح باب النقاش بعد عرض الدكتور عباس، حاول بعض الحضور فورا طرح أسئلة تتعلق بالتجربة اليونانية، وباختبار إحدى الجامعات العربية لربط تأهيل بيئتها هندسيا بالامتناع عن خفض قيمة الرسوم والأقساط. كما سأل أكثر من شخص عن تعديل التقديمات في حال إعادة التصنيف في لبنان. استفسر واحد على الأقل عن مدى التطابق بين التجربة اليونانية والحالة اللبنانية، ولا سيما مع تعاظم حجم الدين العام واشتداد حدة الضائقة الاقتصادية في لبنان. واعتبرت إحدى السيدات المشاركات أن الطلاب ذوي الإعاقة يفترض أن يشعروا بالارتياح لعدم خفض قيمة ما يجبى منهم من رسوم وأقساط في الجامعة المشار إليها بعد أن تم تأهيلها هندسيا وعمرانيا بحيث لم يعد أولئك الطلاب بحاجة للاعتماد على زملائهم في ارتياد قاعات الدرس والتنقل بين مباني الجامعة. لكن، لا المحاضر ولا المشاركة تطرق إلى مستوى التأهيل ومقدار مساهمته في دمج الطلاب ذوي الإعاقة في الحياة اليومية العادية لطلاب تلك الجامعة. في الوقت نفسه، لم يكن المجال متسعا أمام إجراء مقارنة مفصلة بين التجربة اليونانية والحالة اللبنانية، الأمر الذي حمل الدكتور كبارة على تسجيل الملاحظات من الحضور. في المقابل، طرح الحضور أسئلة عما إذا كان التقرير الطبي هو العامل الوحيد في تحديد الإعاقة، وما إذا كان نظام التصنيف الأميركي يعتمد على تصنيف منظمة الصحة العالمية. كما تساءلوا عن دور المساعدين الاجتماعيين وغيرهم من المهنيين العاملين مع الأشخاص ذوي الإعاقة. رد الدكتور عباس بالإيضاح أن التقرير الطبي هو أساس عملية التقويم، لكنه ليس الوحيد في تحديد مستوى الإعاقة الذي لا يستند إلى تصنيف منظمة الصحة العالمية بقدر ما يجمع عددا من العوامل والعناصر الوظيفية والخاصة بالأنشطة وبمستوى الحيلولة دون تحقيق مقدار معين من الإنتاجية لتأمين سقف محدد من الدخل، يتناسب مع قدرات الشخص ذي الإعاقة ومؤهلاته وفرص العمل المتكافئة المتاحة أمامه. كما أكد أن لجميع المهنيين المختلفي الاختصاصات العاملين مع الأشخاص ذوي الإعاقة دورا في عملية التقويم. هنا دخل على خط النقاش شخص أمهق ليسأل الدكتور عباس عما إذا كان قانون الإعاقة الأميركي يعتبر المهق أو البهق إعاقة، وعن السبب الذي يحول دون تصنيف الشخص الأمهق ذا إعاقة، ولا سيما أن المهق يتسبب بإعاقات لم يذكرها طارح السؤال. رد الدكتور عباس بأن المهق حالة طبية تستدعي معالجة أعراضها وبعض آثارها ونتائجها، ولا بد من تصنيف الإعاقات المرتبطة بها في عداد الإعاقات، لكنه أكد أنه لم يلاحظ تناول حالة المهق (الأبينيزم) المرضية في القانون الأميركي باعتبارها إعاقة. وكان آخر الأسئلة ما تناول العلاقة بين تصنيف الإعاقة وتقدير مستوى التعويض، مع التساؤل عما إذا كان ذلك هو السبيل الأفضل – إن لم يكن الوحيد – في التصدي لمعضلة تصنيف الإعاقة. وقد ترك المنتدون السؤال عالقا على أمل الحصول على إجابة من المداخلة في الجلسة الثالثة والأخيرة.
انتقل المشاركون فورا إلى الجلسة الأخيرة، التي تحدثت فيها رئيسة قسم السياسات الاجتماعية في الإسكوا، الأستاذة جيزيلا نوك، عن سياسة التصنيف. فركزت في حديثها الموجز على تبدل المنظور في عملية التصنيف من التعويض عن النقص الناتج من جراء الإعاقة إلى تأمين متطلبات الاندماج الكامل والفاعل في المجتمع. وأكدت المحاضرة أن هذا هو الطرح الذي تعتمده فعليا اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. وهي ترى أن المهم في التصنيف تقدير، بل وتحديد، مستوى الدعم المطلوب لتوفير الدعم حتى يجد الأشخاص ذوو الإعاقة أنفسهم مندمجين فعليا في المجتمع وليسوا حاصلين على التعويض الذي يسمح لهم بالعيش على هامش الحياة وخارج التفاعل الاجتماعي. وقد عرضت نوك أهمية التصنيف الدولي على أساس الوظائف والتعديلات التي أدخلتها منظمة الصحة العالمية في العام 2000 على تصنيفها الأساسي. كما استعرضت تطور مفهوم التصنيف منذ انطلاقه قبل أقل من 200 عام على يدي الطبيب الفرنسي باريما. وختمت بالتشديد بأن من الحيوي والمفيد الاعتماد على فكرة توفير الدعم بمعنى تأهيل البيئة وتوفير شروط إمكانية الوصول لتحقيق اندماج الأشخاص ذوي الإعاقة. سجل نقاش سريع مختصر بعد هذه الكلمة، وقد اختتم بطرح أولي لفكرة غير مسندة يجوز اعتمادها منطلقا لإعادة التصنيف، لكن الدكتور كبارة وصاحب الطرح اتفقا مع السيدة نوك بعد النقاش على ضرورة تطوير الفكرة المبدئية وإسنادها إلى منطلق نظري وفكري أساسي صلب.
تابعنا